فصل: وقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} (199):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ}:

يحتمل الرجوع إلى أهله ويحتمل الصوم في الطريق في حالة الرجوع من منى.
وقوله: {كامِلَةٌ} يحتمل أنها كاملة في قيامها مقام الهدي.
ويحتمل أن يزيل به خيال تأويل مستكره، وهو أن الواو ربما تذكر بمعنى أو، فأزال هذا الاحتمال بقوله: {كاملة}.
وجعل الشافعي هذا من البيان الأول، فقيل له: قوله: ثلاثة وسبعة، غير مفتقر إلى البيان، فكيف يعده من أقسام البيان؟
فأجاب بأنه لا يحتاج إلى بيان ليخرج به عن حد الإشكال، ولكنه يخرج به عن حد الاحتمال البعيد الضعيف، فجعلناه في أول أقسام البيان، لأن معناه تجلى على وجه لا مرتقى بعده في درجات البيان.

.قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} (197):

اختلف الناس في أشهر الحج ما هي؟
فقال ابن عباس وابن عمر: إنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وعن ابن مسعود: أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وعن ابن عباس وابن عمر في رواية أخرى مثله، وكذلك روي عن طاوس ومجاهد.
وقال قائلون: يجوز أن لا يكون ذلك اختلافا في حقيقة، وأن يكون مراد من قال: وذو الحجة أنه بعضه، لأن الحج لا محالة، إنما هو في بعض هذه الأشهر لا في جميعها، لأنه لا خلاف أنه ليس يبقى بعد أيام منى شيء من مناسك الحج، فأريد بعض الشيء يذكر جميعه، كما قال صلّى اللّه عليه وسلم في أيام منى ثلاثة، وإنما هي يومان وبعض الثالث.
ويقال: حجبت عام كذا، وإنما حج في بعضه، ولقيت فلانا في سنة كذا، وإنما كان لقاؤه في بعضها، وكلمته يوم الجمعة وإنما المراد به البعض، هذا في فعل لا يستغرق كل الوقت.
ويحتمل وجها آخر: وهو أن الجاهلية كانوا ينسئون الشهور، فيجعلون صفر المحرم، ويستحلون المحرم على حسب ما يتفق لهم من الأمور التي يريدون بها القتال، فأبطل اللّه تعالى النسيء، وأقر وقت الحج على ما كان عليه ابتداؤه يوم خلق اللّه السماوات والأرض، السنة إثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان، فقال اللّه تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} يعني بها هذه الأشهر، التي ثبت وقت الحج فيها، دون ما كان عليه أهل الجاهلية من تبديل الشهور وتقديم الحج وتأخيره، وقد كان الحج عندهم معلقا بأشهر الحج، التي هي الأشهر الحرم الثلاثة التي يأمنون فيها صادرين وواردين، فذكر اللّه تعالى هذه الأشهر، وأخبر باستقرار أمر الحج فيها، وحظر عليهم تغييرها وتبديلها إلى غيرها.
ويحتمل أيضا أن اللّه تعالى لما قدم ذكر التمتع إلى الحج، ورخص فيه وأبطل به ما كانت العرب تعتقده من حظر العمرة في هذه الأشهر، قال اللّه تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} فأفاد بذلك أن الأشهر التي يصح فيها التمتع بالعمرة إلى الحج، ويثبت حكمه فيها، هي هذه الأشهر، وأن من اعتمر في غيرها ثم حج، لم يكن متمتعا، ولم يكن له حكم التمتع.

.قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (189):

فاستدل بعض الحنفية، على كون جميع شهور السنة مواقيت للحج، كما كانت بأسرها مواقيت للناس، ولزمهم من هذا أن يكون الحج المطلق، عبارة عن الإحرام فقط، دون سائر الأفعال، مع أن الإحرام عندهم، ليس من الحج، بل هو شرط الحج، والذي هو الحج من طواف القدوم في غير أشهر الحج، وسعى، لم يجز إجماعا، فإذا علم ذلك، فحمل اللفظ على بعض الشهور، أولى من حمل الحج المطلق على الإحرام، الذي ليس من الحج، وإنما هو طريق إليه وشرط له، ولأن اللّه تعالى لم يرد جعل الأهلة ميقاتا للحج، باعتبار كونها أهلة، فإن الإحرام ليس يتعين له أول الشهر، ولا المواقيت أيضا، وإنما الأهلة عبارة عن جملة الشهر، فإن السائل سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على ما أجمع عليه أهل التفسير وقال: يا رسول اللّه، ما بال الهلال يبدو مستدقا، ثم ينمو حتى يتكامل ثم ينقص.
وكان السؤال من معاذ بن جبل رضي اللّه عنه، عن زيادة القمر ونقصانه، فأخبر اللّه تعالى أن الحكمة في زيادته ونقصانه، زوال الالتباس عن أوقات الناس في حجهم، وحل ديونهم، وعدد نسائهم، ومدد حواملهم، وأجرة أجرائهم وغير ذلك.
ولا شك أن الوقت في الوقوف متعلق بالهلال، فالهلال ميقات له، لأنه به يعرف، وكذلك الطواف، فلا يتضمن ما قلناه، إطلاق اسم الحج على شرط الحج، دون نفس الحج.
فإن قيل: فعلى قولكم أيضا قد قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} والأفعال كالوقوف، وسائر الأفعال إنما تقع في غير الأهلة، بل في وسط الشهر لا في الأشهر، فليس في شوال من أفعال الحج شيء، فقد أخرجتم الحج عن أن يكون اسمه متناولا لشيء من الأفعال سوى الإحرام.
قلنا في جواب ذلك: إن الإحرام ركن الحج عندنا، فقوله: {الحجّ أشهر} يعني عقد الحج وإنشاؤه في أشهر معلومات.
قالوا: احتمل أن يكون المراد به غالب أحوال الناس، وكأنه قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} في تعارف الناس، فمن فرض في هذه الأشهر الحج، فلا يخلن بحقه، وليرفض الفسوق والرفث والجدال كما قال اللّه تعالى في صوم رمضان: {أَيَّامًا مَعْدُوداتٍ} والمقصود به تهوين الأمر عليهم دعاء إلى فعله، لاسيما وليس في قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} صنفة الأمر، فيجوز أن يكون إخبارا عن متعارف أحوال الناس، في إيقاع الإحرام بالحج في هذه الأشهر، وهذا لأنا لا ننكر احتمال اللفظ له، إلا أن الظاهر ما قلناه.
ومما سألوه أن من فروض الحج، ما يفعل بعد أشهر الحج، ويكون مفعولا في وقته، وهو طواف الزيارة، ولم يجز شيئا من فروض الصلاة يفعل بعد خروج وقتها، إلا على وجه القضاء، فلم يجز أن يكون ركن العبادة باقيا في غير وقتها، فبقي إحرامه كاملا بعد أشهر الحج، وهو يوم النحر قبل رمي الجمار، حتى قال الشافعي: إن جامع يوم النحر قبل رمي الجمار فسد حجه، فدل على كونه وقتا للإحرام بالعبادة، وليس بقاء العبادة في هذا الوقت، على نحو بقاء العصر بعد غروب الشمس، والصبح بعد طلوع الشمس، فإن ذلك وقت العذر والضرورة، لا وقته الأصلي، ولذلك لا يجوز تأخير صلاة العصر، إلى وقت يعلم وقوعها بعد غروب الشمس، وها هنا يوم النحر وقت أصلي لأفعال الحج، فليكن وقتا لعقد الإحرام.
والجواب عنه، أنه وقت لأعمال حج، لا يتصور بقاء الإحرام به، فإن الطواف في هذا اليوم، إنما يكون لحج يقدم الإحرام به قبل يوم النحر، وذلك الحج بالاتفاق، لا يتصور بقاؤه في هذا الوقت، والذي ينعقد من الإحرام في هذا الوقت، لا يتصور أن يكون هذا الوقت وقتا لأعماله، فكيف يجوز الاستدلال به؟
بل يقال إن فواته يدل على أن الوقت الذي لا يبقي فيه الإحرام، لا يجوز أن يكون وقتا لابتداء مثله، وهذا أقرب في الاستدلال.

.قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} (197):

أي أوجبه على نفسه فيه.
وظن بعض الناس أنه لابد من شيء يصح القصد إليه، ويصح فرضه، يعني إيجابه، وهو التلبية، وهو مذهب أبي حنيفة.
والشافعي يقول: أوجب فيه على نفسه فعل الحج، وهو منقسم إلى كف النفس عن المحظورات، كالصوم، وإلى أفعال تباشرها.

.قوله: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} الآية (197):

قال ابن عمر: الرفث الجماع.
وعن ابن عباس مثل ذلك.
وروي عنه أنه التعريض بالنساء.
والأصل في الرفث الإفحاش في القول، وبالفرج الجماع، وباليد الغمز للجماع، هذا أصل اللغة.
فدلت الآية، على النهي عن الرفث في هذه الوجوه كلها، ومن أجله حرم العلماء ما دون الجماع في الإحرام، وأوجبوا في القبلة الدم.
وأما الفسوق فالسباب، والجدال والمراء، وقيل: هو أن تجادل صاحبك حتى تغضبه، والفسوق المعاصي، فدلت الآية على تحريم أشياء لأجل الإحرام، وعلى تأكيد التحريم، في أشياء محرمة في غير الإحرام، تعظيما للإحرام، ومثله قوله: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن جهل عليه فليقل إني امرؤ صائم».

.قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا}:

في هذا المقام، يعطي التزود للحج حتى لا يتكلوا على الناس وسؤالهم، وقوله في مساق ذكر الحج: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (198).
يدل على جواز التجارة في الحج، حتى لا يتوهم متوهم أن ذلك لا يجوز، حتى لا يصرفه عن إكمال الحج، كما لا يجوز الاصطياد.

.قوله تعالى: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ} (198):

وقال الزمخشري: أفضتم دفعتم بكثرة وهو من افاضة الماء وهو صبه بكثرة. اهـ. وعرفات: اسم علم للموقف الذي يقف فيه الحجاج، سميت تلك البقعة عرفات لأن الناس يتعارفون بها.
والمشعر الحرام: هو جبل المزدلفة وسمى مشعرا لأنه معلم العبادة. ووصف بالحرام لحرمته. الفخر الرازي. ومفردات الراغب.
ونقل الفخر عن الواحدي في البسيط: أن المشعر الحرام هو المزدلفة، سماها الله تعالى بذلك لأن الصلاة والمقام والمبيت به، والدعاء عنده، ثم قال: لأن الفاء في قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} إلخ تدل على أن الذكر عند المشعر الحرام يحصل عقيب الافاضة من عرفات، وما ذاك إلا بالبيتوتة بالمزدلفة.
فيه دليل على أن الوقوف بعرفة من مناسك الحج.

.وقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} (199):

قيل: معناه أنه خطاب للحمس وهم قريش، فإنهم كانوا يقفون بالمزدلفة، ويقف سائر الناس بعرفات، فلما جاء الإسلام، أمرت قريش بأن تفيض من حيث أفاض الناس ويقفوا منهم.
وقال الضحاك: إنه أراد به الوقوف بالمزدلفة، وأن يفيضوا من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام، وسماه الناس، كما سماه أمة، لأنه بوحدته أمة كالناس، وأكثر الناس على القول الأول، إلا أن قول الضحاك أقوى من حيث دلالة النظم، فإن اللّه تعالى قال: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ} فذكر الإفاضة من عرفات، ثم أردف ذلك بقوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} وثم تقتضي الترتيب لا محالة، فعلمنا أن هذه الإفاضة، هي بعد الإفاضة من عرفات، وليس بعدها إفاضة، إلا من المزدلفة وهي المشعر الحرام، فكان حمله على هذا، أولى منه على الإفاضة من عرفة، لأن الإفاضة من عرفة، قد تقدم ذكرها، فلا وجه لإعادتها.
ويبعد أن يقول: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} بعد الإفاضة من المشعر الحرام، ثم أفيضوا من عرفات.
وغاية ما قيل في القول الآخر: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} عائد إلى الكلام الأول، وهو الخطاب بذكر الحج ومناسكه، ثم قال: أيها المأمورون بالحج من قريش- بعد ما تقدم ذكرنا له- أفيضوا من حيث أفاض الناس، فيكون ذلك راجعا إلى صلة خطاب المأمورين، وهو كقوله تعالى: {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَمامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ}.
والمعنى: ثم بعد ما ذكرنا لكم، أخبركم أنا أتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن.
ويعترض عليه، أن ذكر الإفاضة إذا تقدم وعقب بعده بنسك آخر، يقتضي الإفاضة، فلا يحسن أن يذكر بكلمة ثم ما يرجع على الإفاضة من الذي تقدم، دون أن يرجع إلى ما يليه.
وقد قيل: إن ثم بمعنى الواو، ولا يبعد أن يقول: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ} {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} مثل قوله تعالى: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}. ومعناه: وكان من الذين آمنوا، {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} ومعناه: واللّه شهيد.
فقيل لهم: قد ذكر الإفاضة من عرفات، فأي معنى لذكر الإفاضة ثانيا؟
فأجابوا: بأن فائدته أن يعلم أنه ليس خطابا لمن كان يقف بها من قبل، دون من لم يكن يرى الوقوف بها، فيكون التاركون للوقوف على ملة إبراهيم في الوقوف بالمزدلفة دون عرفات، فأبطل ظان الظان لذلك بقوله: {أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ}.
أما كون الوقوف ركنا لا يصح الحج بدونه، فإنما علم بالإجماع وفيه إخبار أيضا، فمنه ما رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: سئل النبي عليه السلام: كيف الحج؟ قال: «يوم عرفة، من جاء عرفة ليلة جمع قبل الفجر فقدتم حجه».
وروى الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي عليه السلام قال بالمزدلفة: «من صلّى معنا هذه الصلاة، ووقف معنا هذا الموقف، ووقف بعرفة ليلا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه».
وليس وجوب الوقوف والاعتداد به مخصوصا بالليل أو النهار، فالوقوف نهارا غير مفروض، وإنما هو مسنون، وقد دل ما رويناه من الخبر ومطلق قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا} على عدم اختصاصه بليل أو نهار، ولا يعرف لمذهب مالك وجه، إلا أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون منها، إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنما كانوا يدفعون من المزدلفة، بعد طلوع الشمس، فخالفهم النبي عليه السلام، ودفع من عرفات بعد الغروب، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس، فرأى أن خاصية الشريعة في مراغمة الكفار في عاداتهم، والمراغمة إنما تحصل بالوقوف ليلا.
والذي قالوه، لا يقتضي أن يكون فرضا، بل يجوز أن يكون ندبا، فإثبات الوجوب على هذا المعنى لا وجه له.

.وقوله تعالى: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ}:

ولم يختلف العلماء في أن المشعر الحرام هو المزدلفة، ويسمى جمعا أيضا، والذكر الثاني في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ} هذا الذكر المفعول عند المزدلفة غداة جمع، فيكون الذكر الأول غير الثاني، والصلاة تسمى ذكرا لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}.
فيجوز أن يفهم منه تأخير صلاة المغرب، إلى أن تجمع مع العشاء بالمزدلفة، وتواترت الأخبار في جمع النبي عليه السلام بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
واختلف فيمن صلّى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة، فالشافعي وأبو يوسف يجوزان، وأبو حنيفة ومحمد لا يجوزان.
فأما الوقوف بالمزدلفة فليس بركن عند أكثر العلماء، وقال الأصم وابن علية: إنه ركن، وقوله عليه السلام: الحج عرفة.
ومن وقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر، فقدتم حجه بإدراك عرفة، ولم يشترط معه الوقوف بجمع.
نعم قد قال اللّه تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ} والذكر بالإجماع ليس بواجب، ولعل المراد بالذكر الصلاة، وهي الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.